الخنساء
ولدت سنة 575 للميلاد، كانت شاعرة عربية من أهل نجد أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية الذين قتلا في
الجاهلية.
قال ابن سعيد: "كان عمرو بن الشريد يمسك بيده ابنيه،
صخرا ومعاوية، في الموسم فيقول 'أنا أبو خيري مضر ومن أنكر فليعتبر، فلا ينكر أحد.
أصل التسمية:
لقبت بالخنساء بسبب ارتفاع أرنبتي أنفها عن شفتها مع قصر قصبة أنفها ولزوقه
بوجهها. والخنس في الأنف : قصر الأنف وتأخر الأنف في الوجه إلى الرأس وارتفاعه عن
الشفة مع عرض الأرنبة وارتفاعها وهو قريب من الفطس.
شاعريتها:
تعد الخنساء من أشهر شعراء الجاهلية، وقد قامت بكتابة الشعر
خصوصا بعد رحيل أخويها. وطغى على شعرها الحزن والأسى والفخر والمدح. قال عنها النابغة الذبياني:
"الخنساء أشعر الجن والإنس".
ورغم أنها كانت شاعرة متمكنة من اللغة لها قصائد كثيرة إلا أن
شهرتها ذاعت وانتشرت في كل مكان من خلال مراثيها لأخيها صخر التي ذاعت وتداولها الناس في الجاهلية.
نشأتها:
كانت أصغر أخواتها صخر وعمرو وكانا أخويها
من الأب, وكانت ذات شخصية قوية ومن ذلك أنها رفضت الزواج من دريد بن الصمة أحد حكماء
العرب.
تزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، وأنجبت
منه ولدا، إلا أنها لم تدم طويلا معه لأنه كان مقامرا ومتلافا لماله ومالها.
ثم تزوجت بعده من ابن عمها مرداس بن أبي
عامر السلمي، وأنجبت منه أربعة أولاد، وهم (يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة).
مأساتها:
في عام 612، قتل هاشم ودريد ابنا حرملة أخاها
معاوية. قامت الخنساء بتحريض أخيها الأصغر صخر بالثأر، واستطاع الأخير قتل دريد
انتقاما لأخيه، ولكنه أصيب وتوفي في عام 615. وقيل أن الخنساء أصيبت بالعمى من شدة بكائها على موت أخيها. وصخر هو أخو الخنساء من أبيها، وكان أحب
أخوان الخنساء إلى قلبها- حيث كان حليما جوادا محبوبا بين أبناء العشيرة، وكان يقف
دائما إلى جانبها يمد لها يد العون ويرعاها.
ولما قتل أخوها صخر ظلت ترثيه، وذاع صيت مرثيتها أو
بكائيتها بين العرب حيث أصبحت مرثيتها الحزينة الأكثر تداولا من باقي أشعارها.
استشهاد ابنائها:
حينما علمت ببعثة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قدمت على
النبي مع قومها بني سليم فأسلمت معهم. وقيل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان
يعجب بشعرها.. ولعل موقفها يوم القادسية لخير دليل على صبرها وثباتها وحسن إيمانها.
فقد خرجت في هذه
المعركة مع المسلمين في عهد عمر ومعها أبناؤها الأربعة، وهناك وقبل بدء القتال
أوصتهم فقالت:
- ((يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي
لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم))..
إلى أن قالت:
((فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم
مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجعلت
نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا
بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة)).
وعندما دارت المعركة استشهد أولادها الأربعة واحدا بعد واحد،
وحينما بلغ الخنساء خبر مقتل أبنائها الأربعة قالت:
((الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في
مستقر رحمته)).
الخنساء شاعرة الصبر والحكمة:
وغلبت الخنساء على الشواعر من النساء فبرعت
في الرثاء كما كان لها بعض الخطب القصار, قال عنها جرير:
- والله لأني أشعر الشعراء لولا هذه الخبيثة،
أما بشار بن برد فقد قال:
- لم تقل امرأة قط شعراً إلا تبين الضعف
في شعرها، فسألوه وهل الخنساء كذلك.؟ فقال:
- الخنساء فوق الرجال، وقال المبرد:
- إن أعظم النساء في الشعر هما ليلى الأخيلية
والخنساء السلمية.
وكان يضرب للنابغة قبة من أدمٍ بسوق عكاظ،
فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال:
- وأول من أنشده الأعشى، ثم حسان بن ثابت،
ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشريد:
وإن صخراً لتأتم الهداة به == كـأنه علم في رأسه نار
فقال: والله لولا أن أبا بصير "أبو
بصير الأعشى ميمون بن قيس" سبقك لقلت إنك أشعر الجن والإنس.
وقال حسان بن ثابت للخنساء يوما :
- أهجي قيس بن الخطيم؛ فقالت: لا أهجو
أحداً أبداً حتى أراه. قال:
- فجاءته يوماً فوجدته في مشرقةٍ ملتفاً
في كساء له، فنخسته برجلها وقالت: قم، فقام؛ فقالت: أدبر، فأدبر؛ ثم قالت: أقبل، فأقبل.
قال: والله لكأنها تستعرض عبداً تشتريه، ثم عاد إلى حاله نائماً؛ فقالت:
- والله لا أهجو هذا أبداً.
ايهما أعظم مصيبة:
ولما كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن
ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم
الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها
صخرٍ ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية، وإنها تقول:
أنا أعظم العرب مصيبةً، وأن العرب قد عرفت
لها بعض ذلك. فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت:
أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها
فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقاً يجتمع فيها العرب، فقالت:
- اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلما
أن دنت منها، قالت لها الخنساء:
- من أنت يا أخيّة.؟ قالت:
- أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبةً،
وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم.؟ فقالت الخنساء:
- بعمرو بن الشريد، وصخرٍ ومعاوية ابني
عمرو، وبم تعاظمينهم أنت.؟ قالت:
- بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة،
وأخي الوليد. قالت الخنساء:
- أوَ سواءٌ هم عندك.! ثم أنشدت تقول:
أبـكـي أبـي عـمراً بعينٍ غزيرةٍ == فـلـيـلٌ إذا نام الخلي هجودهـا
وصـنـوي لا أنـسى معاوية الذي == لـه مـن
سـراة الـحرتين وفودها
وصخراً، ومن ذا مثل صخرٍ إذا غدا == بـساهمة
الآطال قـبـاً يقـودهـا
فذلك يا هند الرزية فـاعـلـمـي == ونيران
حربٍ حين شب وقـودهـا
فقالت هندٌ تجيبها:
أبكي عميد الأبطحين كلـيهـمـا==وحاميهما من كل بـاغٍ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي== وشيبة
والحامي الذمار ولـيدهـا
أولئك آل المجد من آل غـالـبٍ== وفي العز
منها حين ينمي عديدها
وهاجرت الخنساء إلى المدينة المنورة وبايعت
النبي (صلى الله عليه وسلم) وأعلنت إسلامها, وقدم عليها الفاروق عمر بن الخطاب –رضي
الله عنه- في موسم من مواسم الحج وقد نهاها عن كثرة رثائها فقال لها:
- ما أتعب عينيك هكذا.؟ قالت بكائي على
رجالات مضر في الجاهلية.
فقال: - إنهم في النار، فقالت :
- أبكيهم أكثر بعد الإسلام لما ماتوا عليه
من الضلال، قال :
- صدقت يا بنت عمرو.
هكذا كان صخرا:
كان أخوها صخرا كريما ومهابا في قومه وكان
من أملح العرب وجها وسبب موته أنه غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض منها عاماً
ثم مات.
والقصة أن معاوية قتل على يد هاشم ودريد
ابنا حرملة يوم حوزة الأول سنة 612 م، فحرضت الخنساء أخاها صخر بالأخذ بثأر أخيه، فقام
إليهم صخر وكان في الأشهر الحرم فقال لبني حرملة :
- أيكم قاتل أخي فقال له أحد ابني حرملة
: استطردت له فطعنني هذه الطعنة وحمل عليه أخي فقتله فأينا قتلت فهو ثأرك. أما إنا
لم نسلب أخاك. قال: فما فعلت فرسه السُّمَّى.؟ قال: هي تلك. فأخذها وانصرف. وقيل لصخر
:
- ألا تهجوهم؟ فقال ما بيني وبينهم أقذع
من الهجاء وأنا أصون لساني عن الخنى. ثم خاف أن يُظَن به عيُّ فقال :
وعـاذلـة هـبت علىَّ تلومني== ألا لا تـلوميني كفى اللوم
ما بيا
تـقـول ألا تهجو فوارس هاشم== ومـا لـي أهـجـوهم ثم ماليا
أبى
الذم أني قد أصابوا كريمتي== وأن ليس إهداء الخنى من شماليا
فلما انقضت الأشهر الحرم جمع لهم, فنظرت
غطفان إلى خيله وقد حمم غرة السمى فقتل دريد بن حرملة ثم غزا صخر بعد ذلك بني أسد بن
خزيمة فأوقعوا به وانفض عنه أصحابه فواجههم وحده فطعن في جنبه ولبث الجرح سنة كاملة،
فسمع سائلا يقول لامرأته:
- كيف صخر؟ فقالت "لا ميت فينعى ولا
حي فيرجى" فعلم أنها قد برمت منه ورأى تحرُّق أمه عليه فقال :
أرى
أم صخر لا تمل عيادتي== وملت سليمى مضجعي ومكاني
فـأي امـرئ ساوى بأمٍ حليلةٍ == فلا عاش
إلا في شقى وهوان
فعلق امرأته في عمود الخباء حتى ماتت ويئس
من نفسه فقطع ما نتأ من جرحه فقال:
أجارتنا إن الخطوب تنوب== وإنـي مقيم ما
أقام عسيب
أجـارتنا إنا غريبان ههنا== وكل غريب للغريب نسيب
فما لبث أن مات من ساعته فبكت عليه الخنساء
قبل الإسلام وبعده حتى عميت.
نماذج من شعرها:
كان جل شعرها في الرثاء فلم تبك امرأة
على أهلها شعرا كما فعلت وذلك أنهم ماتوا في شرخ الشباب مقتولين في الحرب وكان بين
مقتل عمرو وصخر عام واحد فحُق لها أن تتفجع على أهلها, ومنه قولها فيه:
قَـذىً بِـعَـيـنِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ == أَم ذَرَفَـت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت==
وَدونَـهُ مِـن جَـديدِ التُربِ أَستارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـوالِـينا وَسَيِّدُنا == وَإِنَّ صـخـراً
إِذا نَـشـتوا لَنَحّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـمِقدامٌ إِذا رَكِبوا== وَإِنَّ صَـخـراً إِذا جـاعوا لَعَقّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـتَـأتَمَّ الهُداةُ بِهِ == كَـأَنَّـهُ عَـلَـمٌ فـي رَأسِـهِ نارُ
وقالت:
أَعَـيـنَيَّ جودا وَلا تَجمُدا == أَلا
تَـبكِيانِ لِصَخرِ النَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ== أَلا
تَـبـكِيانِ الفَتى السَيِّدا
يُـكَـلِّـفُهُ القَومُ ما عالُهُم== وَإِن
كـانَ أَصغَرَهُم مَولِدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِماد == سـادَ عَـشـيرَتَهُ أَمرَدا
وَإِن ذُكِـرَ الـمَجدُ أَلفَيتَهُ == تَـأَزَّرَ بِـالمَجدِ
ثُمَّ اِرتَدى
وقالت في أخيها معاوية:
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه
== إِذا طَـرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَه
أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ فارِساً
== إِذا مـا عَـلَـتهُ جُرأَةٌ وَعَلانِيَه
وَكـانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ شُبوبِها
== إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ ذاكِيَه
بَـلَـينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما تُرى
== عَـلـى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما هِيَه
فَـأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي
==عَـلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه
وقيل للخنساء: صفي لنا أخويك صخراً ومعاوية
! فقالت:
- كان صخر والله جنت الزمان الأغبر وذعاف
الخميس الأحمر، وكان معاوية القائل الفاعل.
قيل لها فأيهما أسمى وأفخر.؟ قالت :
- أما صخر فحر الشتاء ، وأما معاوية فبرد
الهواء.
وقيل لها فأيهما أوجع وأفجع.؟ قالت :
- أما صخر فجمر الكبد وأما معاوية فسقام
الجسد .
وأنشأت تقول:
أَسَـدانِ مُـحـمَرّا المَخالِبِ نَجدَةً
== بَحرانِ في الزَمَنِ الغَضوبِ الأَنمَرِ
قَـمَـرانِ في النادي رَفيعا مَحتِدٍ == فـي الـمَجدِ فَرعا سُؤدُدٍ مُتَخَيَّرِ
وفاتها:
واختلف في سنة وفاتها ولكن الراجح أنه
سنة 664 للميلاد.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق