جليلة بنت مرة
أقدم شاعرة في التاريخ
تعد جليلة بنت مرة
من أقدم الشاعرات العربيات اللائي عشن في عصر الجاهلية، وعلى الرغم من أن هذه الحقبة
التاريخية تركت للوجود أسمى وأرقى أنواع الشعر الفصيح، وأعذبها نظما وكلاما، فقد كان
للنساء أيضا دورهن في التعبير عن سمو المشاعر وتألق الكلمات ومن بينهن الشاعرة جليلة.جليلة
بنت مرة بن ذهل بن شيبان من بنو شيبان بن بكر بن وائل، توفيت نحو (84 ق.هـ - 538
م) أولى الشاعرات العربيات، ومن أجمل نساء بكر بن وائل وهي زوجة كليب بن ربيعة
التغلبي، وهي أيضاً أخت جساس بن مرة قاتل كليب.
حياتها:
تزوجت وائل بن
ربيعة الملقب بـكليب وهو أيضاً ابن عمها،
تنتسب جليلة لقبيلة
بن مرة ذهل بن شيبان بن بكر، عاصرت كل من:
امرؤ القيس صاحب المعلقات السبع الشهيرة،
والزير سالم الشخصية
التاريخية المعروفة في حرب البسوس التي تمت في العصر الجاهلي فهو عمها، كما صاهرته أيضا بزواجها من ابنه وائل
بن ربيعة الملقب بكليب.
ولأنها كانت ذات حسن
وجمال فكان الشباب في قبيلتها يتنافسون على من يظفر بشرف الزواج منها حتى شاءت الظروف
فتزوجت ابن عمها وائل، وأنجبت له ابنة.
ملك
اليمن
أرادت خالتها (البسوس)
تزويجها من التبع اليماني بعد أن وصفتها بحسن جمالها له، فشغف بها وأرسل في طلبها.
ولكن وبحيلة قام بها
كل من: كليب بن ربيعة وجساس بن مرة أخيها ثم إنضم إليهما عدي بن ربيعة التغلبي
المهلهل وإمرؤ القيس بن أبان، على قتل التبع اليماني، حيث أن كليب أول شخص أراد ان
يجعل للـعرب مملكـة، مثل مملكة التبع اليماني.
وملوك اليمن يسمون
تبع مثل كسرى وغيره، تبع اليماني واسمه أسعد، حكم اليمن في نهاية القرن الرابع وبداية
القرن الخامس الميلادي حكماً مركزياً وبسط نفوذه على عموم الأرض اليمنية في البحر الأحمر
إلى ظفار وفي المحيط الهندي إلى نجد والحجاز، وشارك أباه في الحكم قبل ان ينفرد بالسلطة،
مما اكسبه خبرة وتجربة ورشادة
حمل أطول لقب ملكي سامٍ في تاريخ اليمن فهو «ملك
سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في الطود وتهامة»
وعرف بألقاب عدة منها
تبع اسعد وتبع الأوسط والتبع اليماني والتبع الرائد (وهو اسم تسمى به جده شمر يرعش)
واسعد الكامل أشهر القابه وسُمي بالكامل لكمال خلقه اولاكتمال دولته او لاعتناقه اليهودية
وهذا احتمال ضعيف لاتؤيده المصادر العربية القديمة.
ويعتقد بعض المفسّرين
أنّ تبع كان رجلاً مؤمناً، واعتبروا تعبير (قوم تبّع) الذي ورد في آيتين من القرآن
دليلاً على ذلك، كما أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدة على ذلك، حيث قال:
( لاتسبّوا تبّعاً فإنّه كان قد أسلم).
وجاء في حديث عن الإمام
الصادق (عليه السلام), (إن تبّعاً قال للأوس والخزرج: كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي،
أمّا لو أدركته لخدمته وخرجت معه)
كما وردت قصّة كسوة
الكعبة في تواريخ أُخرى حتى بلغت حد التواتر. ويوجد اليوم في مكّة مكان يسمى (دار التبابعة).
والحقيقة أن تأريخ
ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو من الغموض من الناحية التاريخية، حيث لا نعلم كثيراً
عن عددهم، ومدّة حكومتهم.
وقد قال -- في رسول
الله (صلى الله عليه وسلم)
شهدت على
أحمد أنّه ---- رسول من الله باري النسم
فلو مدّ
عمري إلى عمره ---- لكنت وزيرا له وابن عم
قصة
مقتل كليب
تزوج جليلة من كليب بن ربيعة وكان لها عشرة أخوة
أصغرهم يدعى "جساساً"، وحدث أن كليباً دخل على امرأته جليلة يوماً فقال لها:
هل تعلمين على الأرض أمنع مني ذمة.؟ فسكتت، ثم أعاد عليها الثانية فسكتت، ثم أعاد عليها
الثالثة فقالت: نعم، أخي جساس (وهو جساس بن مرة، كان فارساً شهماً أبياً، وكان يلقب
الحامي الجار، المانع الذمار، فسكت كليب، ومضت مدة، وبينما هي تغسل رأسه وتسرحه ذات
يوم إذ قال لها:
من أعز وائل.؟ قالت: أخواي جساس وهمام. فنزع رأسه
من يدها وخرج.
وكانت لجساس خالة اسمها
البسوس بنت منقذ، جاءت ونزلت على ابن أختها جساس، فكانت جارة لبنى مرة، ولها ناقة خوارة،
ومعها فصيل لها، فلما خرج كليب غاضباً من قول زوجه جليلة رأى فصيل الناقة فرماه بقوسه
فقتله. وعلمت بنو مرة بذلك، فأغمضوا على ما فيه وسكتوا، ثم لقي كليب ابن البسوس فقال
له:
- ما فعل فصيل ناقتكم.؟
فقال: قتلته وأخليت لنا لبن أمه، وأغمضت بنو مرة على هذا أيضاً.
ثم أن كليباً أعاد
القول على امرأته فقال: من أعز وائل.؟ فقالت: أخواي.! فأضمرها في نفسه وأسرها وسكت،
حتى مرت به إبل جساس وفيها ناقة البسوس، فأنكر الناقة ثم قال: ماهذه الناقة.؟ قالوا:
لخالة جساس. فقال: أو بلغ من أمر ابن السعدية (أي جساس) أن يجير عليّ بغير إذني ؟ ارم
ضرعها يا غلام، فأخذ القوس ورمى ضرع الناقة، فاختلط دمها بلبنها.
وراحت الرعاة على جساس
فأخبروه بالأمر، وولت الناقة ولها عجيج حتى بركت بفناء البسوس، فلما رأتها صاحت: واذلاه
! فقال لها جساس: اسكتي فلك بناقتك ناقة أعظم منها، فأبت أن ترضى حتى صاروا لها إلى
عشرا، فلما كان الليل أنشأت تقول بخطاب سعداً أخا جساس وترفع صوتها تسمع جساساً:
فَيَا سعدُ لا تَغْرُر
بِنَفْسِكَ واِرتَحل .... فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ
وَدُونَكَ
أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ .... لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي
لَعَمْرُكَ
لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ .... لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي
ولكِنَّنِي
أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ ....مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي
فلما سمعها جساس قال
لها: اسكتي لا تراعي إني سأقتل جملاً أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالاً، وهو فحل إبل
كليب لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته كليباً.
ثم ظعن ابنا وائل بعد ذلك، فمرت بكر على نهى أي غدير
يقال له شبيث، فنفاه كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على نهى آخر يقال
له الأحص فنفاهم عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على بطن الجريب (واد عظيم)
فمنعهم إياه، فمضوا حتى نزلوا الذنائب، واتبّعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه، فمر عليه
جساس ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل، وهو واقف على غدير الذنائب، فقال له: طردت
أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا ! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون،
فقال له: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال له: أوقد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل
مرة لا استحللت تلك الإبل بها أتراك مانعي أن أذب عن حماي، فعطف عليه جساس فرسه فطعنه
برمح فأنفذ حضني (الحضن مادون الإبط إلى الكشح)
فلما تداءمه الموت
قال: يا جساس، اسقني من الماء، فقال: ماعلقت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك
هذه، فالتفت إلى عمرو وقال له: يا عمرو، أغثني بشربة ماء، فنزل إليه وأجهز عليه
بطعنة أخرى.
في مأتم
كليب
وقعت جليلة بنت
مرة بين شقي الرحى، فلقد قتل أخوها جساس زوجها كليب بن ربيعة، فأصبحت جليلة أرملة،
وفي ذات الوقت أضحت هي وأهلها أعداء بيت صهرها.
وفي مأتم كليب
اجتمع عدد من النسوة قلن لأخت كليب: رحّلي الجليلة -أي اطرديها- عن مأتمك، فإن
قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب، فقالت لها أخت كليب: يا هذه، أخرجي عن
مأتمنا، فأنت أخت واتِرنا، فخرجت جليلة وهي تجر أعطافها، ولما رحلت جليلة قالت أخت
كليب: رحلة المعتدي، وفراق الشامت.! ويل غدًا لآل مرة، من الكرة بعد الكرة، فبلغ
قولها جليلة، فقالت: وكيف تشمت الحُرَّة بهتك سترها، وترقُّب وَتْرها.! أسعد الله
جد أختي، أفلا قالت: نفرة الحياء، وخوف الاعتداء.! ونظمت مجموعة من القصائد تبادلت
فيها جليلة وأخت وائل العتاب واللوم.
كما اتخذت من الشعر
مؤنسًا لها بعد نكسة البسوس ثم أنشأت تقول:
يابْنةَ
الأقوامِ إن لُّمْتِ فَلا .... تَعْجَلي باللَّوْمِ حتَّى تَسْأَلِي
فَإِذَا
أَنتِ تَبَيَّنْتِ الَّذي .... عندها اللَّومُ فَلُومِي واعذِلِي
إن تَكُنْ
أختُ امرِئٍ لِيمَتْ .... علَى جَزَعٍ مِّنها
عَلَيهِ فافْعَلي
فِعلُ
جَسَّاسٍ علَى ضنِّي بِهِ .... قاطعٌ ظَهْري
ومُدْنٍ أَجَلي
لَو
بعَينٍ فُدِيَتْ عَيْني سِوَى ..... أختها
وانفقأَتْ لَمْ أحْفِلِ
تحمِلُ
العينُ قذَى العينِ كما .... تَحمِلُ الأُمُّ
قذَى ما تَفْتَلي
إنَّني
قاتلةٌ مَّقتولةٌ .... فَلعلَّ اللهَ أن يرتاحَ لِي
يا قتيلاً
قوَّضَ الدَّهرُ بِه .... سَقْفَ بَيتَيَّ جميعًا مِنْ عَلِ
ورَماني
فَقْدُهُ مِن كَثَبٍ .... رَمْيةَ المُصْمَى بِهِ المُستأصَلِ
هَدَمَ
البَيتَ الَّذي اسْتَحْدَثْتُهُ .... وَسَعَى في هَدْمِ بَيْتي الأوَّلِ
مسَّني
فَقْدُ كُلَيْبٍ بِلَظًى .... مِن ورَائي ولَظًى مُّستَقْبِلِي
لَيسَ
مَن يَبْكِي لِيَومَينِ كمَنْ .... إنَّما يَبْكي ليومٍ ينجَلِي
دَرَكُ
الثَّائرِ شافيهِ وفي .... دَرَكي ثأرِيَ ثَكْلُ المثكلِ
لَيتهُ
كان دَمي فاحتلبوا .... دِررًا مِّنهُ دمي مِنْ أَكْحَلي
فـأنـا
قـاتـلةٌ مـقـتولةٌ .... ولعل الله أن ينظر لي
ولما ذهبت إلى أبيها
مرة قال لها: ما وراءك يا جليلة ؟ فقالت: ثكل العدد وحزن الأبد وفقد حليل وقتل أخ عن
قليل وبين ذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد، فقال لها: أو يكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات؟
فقالت: أمنية مخدوع ورب الكعبة أبا لبدن تدع لك تغلب دم ربها.
حرب البسوس
حرب البسوس هي حرب
قامت بسبب ناقة لامرأة اسمها البسوس التميمي، وذلك بين قبيلتي بكر بن وائل وتغلب بن
وائل واستمرت 40 عاما من 494 إلى 534 عقب مقتل كليب بن ربيعة التغلبي على يد جساس بن
مرة (من قبيلة بكر وابن أخت البسوس )، وإنتهت الحرب بانتصار تغلب على بكر.
كان لحرب البسوس تأثير
في الأدب العربي وخصوصا في شعر الرثاء والحماسة فكان للمهلهل شعر شهير في رثاء أخيه
كليب بن ربيعة والتحريض على الثأر له كما أن القصة قد دخلت الأدب العربي على شكل قصة
ملحمية في تصوير الحرب والثأر ونهاية الحرب.
فأسطورة المهلهل وتغريبة بني هلال وعنترة وسيف بن
ذي يزن. كلها من الأساطير التي استمرت مع الحكواتي
المهلهل هو عدي يقول الحارث بن عباد
وقيل إن اسمه امرؤ
القيس والقيس رومية تعني الشدة فامرؤ القيس رجل الشدة.
أيا
سعد لا تغرر بنفسك وارتحل .... فإني في قوم عن الجار أموات
وا سموا بنت كليب اليمامة واسمها بديلة يقول المهلهل:
تُسألني
بديلةُ عن أبيها.. ولا تدري بديلة ما ضميري.
وقعت الحرب بين الحيين،
وكانت وقعات مزاحفات يتخللها مغاورات، وكان الرجل يلقى الرجل والرجلان والرجلين هكذا،
وأول وقعة كانت على ماء لهم يقال له النهى كان بنو شيبان نازلين عليه، ورئيس تغلب المهلهل
ورئيس شيبان الحارث بن مرة فكانت الدائرة لتغلب، وكانت الشوكة في شيبان، واستحر القتال
فيهم، إلا أنه لم يقتل ذلك اليوم أحد من بني مرة.
ثم التقوا بالذنائب
فظفرت بنو تغلب وقتلت بكر مقتلة عظيمة، ثم التقوا بواردات فظفرت بنو تغلب، وكان جساس
بن مرة وغيره طلائع قومهم وأبو نويرة التغلبي طلائع قومهم أيضاً، فالتقوا بعض الليالي
فقال له أبو نويرة: اختر إما الصراع أو الطعان أو المسايفة (أي التضارب بالسيوف) فاختار
جساس الصراع فاصطرعا، وأبطأ كل واحد منهما على أصحاب حيه وطلبوهما فأصابوهما وهما يصطرعان،
وقد كاد جساس يصرعه ففرقوا بينهما.
ثم التقوا بعنيزة فتكافأ الحيان، ثم التقوا بالقصيبات
وكانت الدائرة على بكر، وقتل في ذلك اليوم همام بن مرة أخو جساس، فمر به مهلهل مقتولاً
فقال له: والله ما قتل بعد كليب قتيل أعز عليّ فقداً منك.
ثم كانت بينهم معاودة
ووقائع كثيرة، كل ذلك كانت الدائرة فيها لبنى تغلب، ثم إن تغلب جعلت جساساً أشد الطلب،
فقال له أبوه مرة: الحق بأخوالك بالشام، فامتنع، فألح عليه أبوه فسيره سراً في خمسة
نفر، وبلغ الخبر مهلهل، فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلاً من شجعان أصحابه، فساروا
مجدين، فأدركوا جساساً فقاتلهم، فقتل أبو نويرة وأصحابه ولم يبق منهم غير رجلين، وجرح
جساس جرحاً شديداً مات منه، وقتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضاً، فعاد كل واحد من
السالمين إلى أصحابه.
فلما سمع مرة بقتل ابنه جساس قال: إنما يحزنني أن
كان لم يقتل منهم أحداً، فقيل له: إنه قتل بيده أبا نويرة رئيس القوم، وقتل معه خمسة
عشر رجلاً ما شركه أحد منا في قتلهم، وقتلنا نحن الباقين، فقال: ذلك مما يسكن قلبي
عن جساس.
فلما قتل جساس أرسل
أبوه مرة إلى مهلهل: إنك قد أدركت ثأرك وقتلت جساساً فاكفف عن الحرب، ودع اللجاج والإسراف،
فهو أصلح للحيين وأنكأ لعدوهم، فلم يجب إلى ذلك.
وأرسل الحارث إلى مهلهل:
إن كنت قتلت بجير بكليب، وانقطعت الحرب بينكم وبين إخوانكم فقد طابت نفسي بذلك، فأرسل
إليه مهلهل: إنما قتلته بشسع نعل كليب! فغضب الحارث ودعا بفرسه وكانت تسمى النعامة
فجز ناصيتها وهلب ذنبها (الهلب هو الشعر كله وقيل في الذنب وحده).
فأطاعوه، وحلقت بنو
بكر يومئذ رؤوسها استبسالاً للموت، وجعلوا ذلك علامة بينهم وبين نسائهم، وقال جحدر
بن ضبيعة وإنما سمي جحدراً لقصره: لا تحلقوا رأسي فإني رجل قصير ولا تشينوني ولكن أشتريه
منكم بأول فارس يطلع عليكم من القوم، فطلع ابن عناق فشد عليه فقتله.
واقتتل الفرسان قتالا
شديداً، وانهزمت بنو ثغلب ولحقت بالظعن بقية يومها وليلتها واتبعهم سرعان بكر بن وائل،
وتخلف الحارث بن عباد، فقال لسعد بن مالك: أتراني ممن وضعته الحرب! فقال: لا ولكن لا
مخبأ لعطر بعد عروس.
وأسر الحارث مهلهلاً
بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه، فقال له: دلني على المهلهل، قال: ولي دمي؟ فقال: ولك
دمك، قال: ولى ذمتك وذمة أبيك؟ قال: نعم ذلك لك، قال المهلهل وكان ذا رأي ومكيدة:
فأنا مهلهل خدعتك عن
نفسي والحرب خدعة، فقال: كافئني بما صنعت لك بعد جرمك ودلني على كفء لبجير، فقال: لا
أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان هذاك علمه، فجز ناصيته وأطلقه وقصد امرئ القيس فشد عليه
فقتله.
وملت جموع تغلب الحرب
فصالحوا بكراً، ورجعوا إلى بلادهم وتركوا الفتنة ولم يحضر المهلهل صلحهم، ثم اشتاق
إلى أهله وقومه، ولجت عليه ابنته سليمي بالمسير إلى الديار فأجابها إلى ذلك، ورجع نحو
قومه حتى قرب من قبر أخيه كليب وكانت عليه قبة رفيعة فلما رآه خنقته العبرة وكان تحت
بغل نجيب، فلما رأى البغل القبر في غلس الصبح نفر منه هارباً، فوثب عنه المهلهل وضرب
عرقوبيه بالسيف وسار بعد ذلك حتى نزل في قومه زماناً وما وكده (قصده) إلا الحرب ولا
يهم بصلح ولا يشرب خمراً ولا يلهو بلهو ولا يحل لأمته ولا يغتسل بماء حتى كان جليسه
يتأذى منه من رائحة صدأ الحديد.
واستمرت الحرب سجال
إلى أن جاء الاسلام.
هذا الكلام افضل ما يقال فيه انه خريط في خريط
ردحذف