الخميس، 1 نوفمبر 2012

انطباعات.. حول (حب لم يعرفه البشر) للأديب والسينارست/ محمد السيد سالم



انطباعات.. حول (حب لم يعرفه البشر)

للأديب والسينارست/ محمد السيد سالم

امتاز الأدب النسائي على مر العهود بالغوص في بحيرات عواطف المرأة، واختراق سراديب غرائزها، ومحاولة فك شفرات مشاعرها، وحل طلاسم دورها المنقوص، حدث ذلك في أدب "ليلى بعلبكي، وسيمون دي بوفوار، وكوليت خوري، وفرانسواز ساجان، وسكينة فؤاد، وسناء البيسي" وباقي الأديبات اللائي تلونت سطورهن المعطرة بالحروف الحريرية الناعمة التي صنعت في النهاية ما زعموا أنه (أدبا نسائيا) رغم أن الأدب منذ بدايته لا يعترف بالطائفية، ولا يقر النظم العنصرية، فالأدب على أي شكل ولون ليس له مقر واحد لا يتفرع منه ما قيل عن الأدب النسائي والاقليمي والسياسي والتليفزيوني إلى آخر هذه التقليعات التي جعلت من الأدب (بوتيكا) تحفل أرففه بألف صنف وصنف.
غير أن "نادية كيلاني" خرجت عن هذا الإطار، وتحررت من هذه القاعدة المصبوبة التي انقادت لها الأديبات دون وعي كما يلتصق الحجاب الأسود بجسد المرأة في شرقنا منذ أن تنفس التاريخ وصار له شهيقا، لدرجة أنه لو محونا اسم الكاتبة من على غلاف (حب لم يعرفه البشر) لما كان في مقدور أي ناقد أن يتصور -بحكم التعود والعادة- أن امرأة هي التي كتبت هذه الرواية.
فالرواية تناقش أمرا يخص الناس على وجه العموم، والرجل على وجه الخصوص، بل أن الكاتبة في بعض مواضع بالرواية كانت رجلا أكثر من الرجال، ومدافعة بكل التحيز عن رأي الرجل في المرأة، هذا الرأي الذي يعتبره غيرها من الأديبات ذروة التخلف والرجعية والتسلط.
- صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد.
ورغم هذا، فزوجة الحاج عبد الستار تنهض مسرعة عند أول نداء باسمها فتهرول وهي تستغفر الله وتستعيذ به من الشيطان الرجيم، وهي تعرف مهمتها تماما (!) في هذا الوقت والابتسامة لا تفارق شفتيها(!) ودعاء بالبركة لا يفارق لسانها(!) وعبد الستار ليس رجلا متزمتا (!!).
حتى في الوقت الذي أحست فيه الكاتبة أن قلمها يمتليء بحبر الرجال اضطرت أن تلقيه جانبا وتلتقط قلم المرأة الثائر على ظروفها الحالمة بعالمها.
- هذا بعيد عن شاربك، أنت وأمثالك من الرجعيين، مهما تصيحون لا عودة لعصر الحريم.. أنا على استعداد لأن أذهب إلى الجامعة سيرا على الأقدام، وأترك لك المواصلات تحل أزمتها بعيدا عني.
غير إنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها المؤيدة لقانون الطبيعة، الراضية بقسمتها فتقول على لسان زوجة عبد الستار:
- وظيفة.. وهل أفضل منكما وظيفة.. كل وقت وله آذان، وليت كل الرجال مثل أبيك(!)
وهكذا تعترف الكاتبة وفي سطور سريعة حادة أن من مهام الرجل هو الحفاظ على قيمة المرأة وصيانتها.
وهكذا تمضي سطور الرواية وكأنها على لسان رجل لا بقلم امرأة استفادت من آذان الوقت فتعلمت وتخرجت في الجامعة وعملت وأصبح لها صولات وجولات في ميدان الأدب.
نقطة أخرى:
الكاتبة من خلال (حب لم يعرفه البشر) مشغولة بمشكلات مجتمعها، مهمومة لآلامه وقد صبت كل هذا الانشغال والهم في عقول شخصيات روايتها في عجلة وبلا حرص وها هو عبد الستار الذي أصبح في نهاية أمره مجرد سائق يقول وكأنه أحد الإخصائيين الإجتماعيين الذين يواجهون كاميرا التليفزيون في أحد ندواته الجادة.
- أفلام سينما.. مسلسلات تليفزيون.. المخدرات.. البطالة.. السفر.. التسكع.
وعلى الفور يرد صديقه حسين الذي اشترك هو الآخر في ندوة (اصلاح المجتمع) ويقول:
- معك حق يا رجل.. أهذه أفلام.. إنهم يضحكون بها على السذج من الناس.
رغم أن عبد الستار وحسين لا وقت لديهما حتى للتطلع إلى (أفيشات) أفلام السينما ولكن الكاتبة أرادت أن تثقل كاهلهما وترغمهما على أن ينطقا بأرائها الكبيرة الخطيرة، غير مدركة أنهما كما صنعتهما من الشخصيات العادية والتي لا تدرك إلى هذا الحد علة هذا المجتمع حيث أن كل همها في زمن (الجمعيات التعاونية) هو الوصول إلى كيلو زيت أو قطعة لحم.. ولعن الزمن بمناسبة وغير مناسبة.
إننا في الأعمال الأدبية يجب أن نتقن صناعة الشخصية بكل أبعادها الداخلية والخارجية بطريقة لا تجر (المتناقضات) فالشخص العادي، عادي في عمله وثيابه وأراءه وتطلعاته، ولا يمكن في سبيل أهدافنا أن نعيد خلقه ونجعله في لحظة أستاذ بالجامعة، بل أن شخصيىة عبد الستار قد فاقت كل خيال من تحول –كما أرادت الكاتبة- إلى (رابعة العدوية) يهدر بأحاديث لا تصدر إلا عن شيخ مشايخ الطرق الصوفية بنفس الحروف وطريقة اللهجة.
كما أن هذا الإيمان العميق الذي وصل إليه عبد الستار بعد تقربه الرائع من ربه وتشبثه بتعاليم دينه لا يمكن أن يسحق هكذا بسبب أمراض مجتمع يعرفه جيدا بطبيعة سنوات عمره كله الذي قضاه في طرقات هذا المجتمع والسير في منحنياته والتعامل مع متناقضاته بداية من الطفولة وحتى الإحالة إل المعاش.
ومن العبث أن نقود هذا الرجل إلذي عرف وباستيعاب كل أمور دينه، وحقوق ربه إلى السقوط في مهاوي فكرة الانتحار، بل ويمضي بالفكرة إلى حد التنقيذ دون أن يلقي بالا إلى هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين سيدفعون ثمن (نزقه) وسعيه إلى الكفر بالله ومشيئته لمجرد هذه التبريرات الواهية التي اضطرت لها الكاتبة رغم فقدانها للعقل والمنطق.
- لن أنال هذا الخير وحدي، سبعة معي يختارهم الله، وننتقل جميعا من الدار الفانية إلى الدار الباقية....... الخ
- مرحى بالشهداء (ادخلوها آمنين) لا تتسارعوا هكذا......الخ
الرواية في النهاية تناقش قضايا هامة وجادة لها العديد من الجوانب والأبعاد، ورغم هذا كانت تحتاج من الكاتبة إلى دراسة متأنية للتفاصيل، ومعالجة ذكية للمضمون حتى تتوالد الأحداث في يدها ولادة طبيعية، ويتكاثر نسلها دون (عمليات قيصرية) تمتليء بالدم والألم والانتقاضات المحمومة تجعل الشخصيات ينطقون بأمرها ورغم إرادتهم..
 ورغم كل هذا يجب ألا نغفل البناء اللغوي لهذه الرواية الذي اعتمد على وحدات فعلية تامة التكوين، مكتملة النسج، فالكاتبة كما أسلفنا لم تحرص على الدق على أوتار عواطف المرأة.. بل جعلت قضيتها أعم وأشمل.
.. أعتقد أن العمل القادم للكاتبة سيكون بداية الوصول، وتبوء المكانة رغم أن هذا العمل قد اقترب كثيرا من حدود النضج، ودائرة الاكتمال الفني.
محمد السيد سالم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق