الثلاثاء، 4 ديسمبر 2007

سمية عبد الحميد تُهدنا الحياة


سمية عبد الحميد تُهدنا الحياة
قصص سمية عبد الحميد من صميم الواقع.. وهى لفتت نظرنا لذلك من بداية العنوان الذي لا تحمله قصة بالداخل وإنما أرادت به لفت النظر لتفاؤلها بالحياة وأنها هدية رغم ما يعتريها أحيانا من مفاجآت..
القصص طولها معقول غير ممل في القراءة.. تشعر أنك شاهدت هذا المشهد من قبل أو تعرف هذا الرجل أو تلك المرأة، فالأصل من عمق الحياة وحواشيها..
تعاملتُ مع هذه المجموعة بحب، فسمية صديقتي، وقد تقولون ليس في الأدب مجاملة وأقول لكم لا أعرف سوى أن أجامل صديقتي، ولكن بمنطق أنصر أخاك ظلما أو مظلوما.. وسمية في هذه المجموعة ظالمة ومظلومة.. ظالمة باختيارها نماذج مهزومة مأزومة، ومظلومة لأنها كالطبيب الذي لا يستقبل إلا الحالات الحرجة.. لكنها طبيب ماهر أغلب عملياتها ناجحة ومرضاها يشفون في النهاية.
وسنتابع المجموعة من هذا المنطلق.. القصة الأولى:

الظل
بداية البطلة غارقة في حزنها.. في النهاية تقف في الشرفة تنظر إلى الأفق تتساءل عن نجاحها يوما..
فاطمة تتقبل العزاء في زوجها الشخصية الطاغية الذي عاملها باهمال واستهتار مما انعكس على ابنتها فصارت تعاملها مثل والدها.. حاولت بعده
الخروج من الدائرة التي وضعها فيها وتنطلق لتشعر بكيانها لكنها وجدت نفسها غير قادرة.
بدأت القصة بعنوان الظل.. وأنهتها بجملة الخروج من دائرة الظل.. كلنا نعرف الظل وهو إما خيال الشخص أو حجب جزء من الشمس، وهو ظل مادي، أما الظل الذي تقصده سمية هو الظل المعنوى والانزواء فماذا لو اسمت القصة (دائرة الظل)

2- حدث بعد منتصف الليل
طبيب تعود على الاستدعاء في أي وقت لأنه طبيب توليد .. استدعوه اليوم ليخرج للبشرية مولودة جميلة.. واستدعوه في منتصف الليل ليخرج ابنته من القسم..
بداية القصة الأب مهموم بأزمة بابنته المدمنة في نهاية القصة فرح وابتهاج بسبب رغبة البنت في أن تتعالج.

3- للحب قصة طويلة
بداية القصة البطلة فاتها قطار الزواج ذهب بعيدا، وذلك لأنها ترفض الزواج بدون حب.. وطائر الحب لابد أن ينقر شُباك كل أنثى في الوقت الذي يختاره.. كلفها رئيسها بالذهاب بنفسها لاستقبال حبها، حين كلفها باستقبال ضيف في المطار.. في هذه القصة جميل جدا الربط بين خلع الحذاء والوقوف غير معتدلة بقدم واحدة وبين استواء الأرض تحت قدميها في النهاية..
وأعاتب سمية مالها سن الأربعين..تقول: (هل هذا حال فتاة في الأربعين!) وماذا عن الخمسين والستين والسبعين؟ المشاعر موجودة في كل عمر وهى أجمل في السن الابعد .. لابد أنها كتبت القصة وهى دون الأربعين.

4- حطمت قيودي
الله سبحانة وتعالى يمهل ولا يهمل.. فقد يفلت شخص من فعل ارتكبه ويقع في فعل لم يفعله وهو ما حدث لبطلة القصة التي تمارس الاستهتار باسم الحرية.. بداية القصة في حجرة صغيرة مظلمة ليس بها سوى كوة للضوء غرفة السجن
سمية ربطت بين الحرية المعنوية والحرية المادية، والاثنان تخصان الجسد.. في الاتجاه المعاكس هناك الحرية الفكرية وهى انطلاق للجسد، وحبس الحرية وراء القضبان هى تقييد للجسد.. الغريب أنه عندما يقيد الجسد ينطلق الفكر يبحث فيما جناه الجسد.. ويسترجع ويندم ويأسف ويعزم ويتجه إلى الله وهنا يفرجها الله بما يوازي قدر صدق النية..
هذه القصة كان يناسبها النهاية المفتوحة ، فلو وقفت عند.. ماذا لو لم يأت عزت بيه؟.. العنوان تقليدي ثورجي..

5- دعوة للحياة
إن بعد العسر يسر.. أو ربا ضارة نافعة.. الفتى الحائر أين يذهب، والده ضربه وأهانه أمام زوجته.. أمه غارقة في نجاحها كوجه اعلامي مضيء.. ربما فكر في الانتحار وهو أمام الماء، رغم أنه يملك في جيبه الأمل والخلاص أو والحل، وهو دعوة جده للعيش معه، في البداية لم يدرك قيمة هذه الدعوة ولكن حينما صدمته السيارة وسأله السائق إلى أين يوصله تذكر الدعوة وشكر الله..
الجد عن سمية يمثل الحل فهنا كما في قصة لبنى.. لكنه ليس حلا جذريا..

7- سأبكي غدا
العنوان جميل ودال، وفيه إرادة.. حسنا أن جعلت البطلة تعمل وفي مركز مرموق.. وهذا كفيل بأن يساعدها على تخطي أزماتها والبدء من جديد إذ هناك ما يملأ تفكيرها
زمان كنا نظن أن الرجل أقدر على تخطي أزمة الحب حتى أنهم قالوا:
(إنما يبكي على الحب النساء) وهذا كان صادقا في وقته إذ لم يكن لديها ما تفعله أو يشغلها سوى التركيز ومتابعة من تحب، أما اليوم وقد تهيأت لها ذات الظروف فهى في ذات الكفاءة من رباطة الجأش، وتأجيل البكاء.. وقد لا تبكي غدا.

8- صغيرتي لبنى
 قصة انسانية إلى أبعد حد..
وكان المفروض أن يكون اسمها لبنى وكفي، أو الصغيرة لبنى.. فليس للأم هنا دور سوى توديعها.. حتى تنسبها لنفسها وتقول صغيرتي..
سمية تعلمنا أنه مهما صادفنا من أزمات هناك انفراجات.. ومهما صادفنا من أزمات هناك أزمات أكثر حدة.. البطل ذهب لبلد آخر ليكسب عيشه هى لم تسمي البلد.. فلم يوفق ويضطر للعودة بخفي حنين.. وفي قمة أزمته يتصادف مع مشكلة أكبر.. طفلة حائرة بين أمها وجدها وكل منهما في بلد، وهى تتنقل وحدها بينهما.. لو قارن بين عودته وبين أن تكون ابنته مكان هذه الطفلة لفضل عودته.. ثم أنه لن يموت من الجوع .. قد يأكل الكشري ويسعد باللمة.
أداعب سمية وأقول لها تعرفنا على اسم الطفلة من خلال جملة :
(بينما كانت الصغيرة لبنى) نحن عرفنا الاسم أما الذي يمسك بيدها ليوصلها لجدها لم يعرف.. لم تخبره الأم أن اسمها لبنى ولم تناديها أمامه ، وهو لم يسأل.

9- تائهة وسط السحاب
العنوان جميل التوهان فوق المعقول..
لماذا يغضب منها الأهل حد القطيعة وهم ليس لهم دور في حياتها، من قول البطلة: (وهكذا نشأت وأنا لا أعرف في عالمي سوى هذين الرجلين)
ثم أن التي تقاطعها هى خالتها شقيقة الأم التى تخلت، وكأن الأم تخلت مرتين
الغريب أن عاصما زوجها الذي في سن والدها، حذرها من عاقبة الزواج منه..؟!
المهم أنها عاشت سعيدة معه خمس سنوات وعرف ميلها للطيران فقدم لها دون علمها، وجاء لها التعيين بعدما مات.. تقول:
(حتى بعد موته كان يفكر فيها ويأخذ بيدها) هل هكذا فكر بعد موته؟
هذا العجوز يؤمن لها مستقبلها حتى في وجوده حتى تعتمد على نفسها لأنه .. بالمنطق سيموت ويتركها.

10 – امرأتان
الانسان له وجهان.. وجه عملي حازم جاد.. ووجه إنساني حنون وكريم يظهر في المواقف..
البداية تأفف من العمل في النهاية اقبال على الحياة والعمل.. السفر من الاسباب التي تظهر معادن الناس.
القصة أيضا واقعية ويمكن حدوثها ولكن يمكن عدم حدوثها فإن لم يحدث المرض للموظفة ونقل دم لها من مديرتها لظلت في كسلها، والأولى أن يكون نشاط المديرة وتقدير الناس لها ونجاحها حافزا يجعلها تفكر في تغيير سلوكها.. وهى تقول لنفسها لا اصلح لشغل منصب كهذا وأنا بهذا الكسل.

11- قلب جديد
البداية صعب وعصبي في النهاية تفاؤل وحب.. هل القلب الجديد يغير من شخصية الانسان، أم وقوف الشخص بين حد فاصل بين الحياة والموت هو ما يسلمه إلى التراجع عن كثير من المواقف.. بطل القصة هنا لما وجد نفسه مضطرا لدخول غرفة العمليات لاجراء عملية في القلب وأنه ممكن أن يموت خلالها رفع غشاء عينيه عن كثير من الحقائق أهمها وجه زوجته البشوش.

12- هى وهو
هى تحتاج إليه أكثر من احتياجه هو لها
هو طفل يريد الرعاية واللعب.. هى نضب معين نتاجها الأدبي وتقدمت بها السن وتريد إعادة صياغة.. وقد يلتقي الربيع والخريف فيضفي كل منهما على الأخر من عنده.. فكسب الخريف أملا بعد احباط ويكسب الربيع حكمة بعد تهور.. قصة نفسية انسانية ناجحة.

13- الحب في الزنزانة
شاب تكونت بداخله عقدة من كثرة زيجات أمه.. هو لا يدرك حاجتها النفسية ولا حاجتها المادية، فقط يكره من يشاركه فيها، وعندما أحب فتاة وشعر أنها مكملة لها انسانيا وعاطفيا وقرر الارتباط بها.. اكتشف أنها تزوجت قبله .. لم يقبلها رغم الحب بسبب ما قر في نفسه من عقد ونظرته السلبية لذلك.. ولو نظر بايجابية وهو يقلب في صور الفتيات لاكتشف أن زواج أمه أنتج له أختا تقلب معه الصور لتختار له عروس المستقبل.

14- سقوط نجمة
القصة فيها مفاجآتان .. سقوط نجمة يوحي بأفول نجمها الفني.. وهذا لم يحدث، الثاني تخيلت أنها ستجد زوجها مع امرأة أخرى ولكن المفاجأة كان مع شاب صغير .. القصة بدأت سعيدة وانتهت كئيبة والعجب أن بطلها طبيب
وكعادة سمية كل حب لابد له من فتور وكل زواج لابد له من عاصفة.

15- الجانب الأخر من النهر
قد تجد الحب والسعادة في الجانب الأخر، ولكن دون الوصول إليه أهوال وعواصف.. وقد تتأجل العواصف حتى يغنم ببعض الفرح.. كما حدث مع المسؤل الدبلوماسي حين انتقل إلى بلد أفريقي فصادف الحب فكان له نصيب من السعادة التي لم تدم لاعتبارات كثيرة..
هذه القصة بدأت سعيدة وانتهت بجرح قلبين .

16- ولد وولدت معه
عندما يخيم الملل على الحياة الزوجية ولا يجدي دفعه، ويذهب كل طرف إلى القاء التهم على الطرف الأخر فيسحب كل منهما نفسة من حياة الآخر كل بطريقته، هناك من يهرب ويبتعد وهناك من ينساق وراء الادمان وكلاهما هروب.. الغريب أن يحدث هذا مع من يفترض فيهما العقل ومد يد المساعدة للمأزومين.. فهى الاستاذة والأديبة وهو الطبيب المعالج وعندما يفشلان في انقاذ حياتهما ووضع أيديهما على الداء إلا بعد حد لا يصلح معه سوى التصدي العنيف.

17- خرج ولم يعد
لا نشعر بقيمة الأشياء إلا بعد فقدها، ولا أننا نحب هذا الشخص إلا بعد غيابه، ولا أننا نكره المثاليات إلا بعد أن تستفرد بنا، القصة تذكرنا بكم التناقض الذي بداخلنا .. وأنه لابد من التوازن بين الأشياء والانفعالات، القصة كأنها مقدمة للقصة التي قبلها ولد وولدت معه كلاهما يدركان قيمة الشيء بعد فقده أو تدهوره.
القصة من وجهة نظر الراويه والطرف الأخر غائب من أين عرفت أنه رأى الاعلان، وطوى الجريدة، وخرج من أين؟!
****

كعادة سمية كل حب لابد له من فتور، وكل زواج لابد له من عاصفة.
نلاحظ أن هؤلاء المأزومين من الطبقة العليا.. سمية لا تنزل إلى قاع المجتمع
وتختار نماذجها.

كل البطلات تقريبا عاملات وفي مراكز مرموقة وهذا يساعدها على تخطي أزمتها بسرعة ومعرفة طريقها. كما في قصة حطمت قيودي، وأبكي غدا.

في المجموعة نموذج الرجل في الغالب إيجابي .. الأب الذي لم يتخل مثل الأم .. صديق الأب والزوج فيما بعد الذي يقدم الأمان في الصغر ويؤمن المستقبل في الكبر... الأب الطبيب الذي احتضن ابنته المدمنة ولا إشارة للأم هنا.

نموذج المرأة في الغالب سلبي: المرأة المديرة وجهها كالح وهذا في رأي موظفة كسول مهملة تضيع وقت العمل في محادثة صديقتها بعد شرب القهوة وتصفح الجرائد.. في قصة الظل البنت الجاحدة لأمها رغم أن تصرف بهذه القسوة تصرف رجل لا أنثى.. في القصة الثالثة نجد العانس التى تنتظر الحب، القصة الخامسة رغم أن بطلها شاب إلا أنها قدمت نموذجين للمرأة زوجة الأب بقسوتها الأم باهمالها.

حتى في قصة الظل الرجل الطاغية جاءنا من وجهة نظرها وهل من الممكن ان يكون طاغية إلا بسلبياتها!! بدليل أنها فشلت أو أساءت اختيار البديل،

سمية تستعمل الكلمات العامية وتضعها بين قوسين أحيانا وبلا أقواس أحيانا ومن الأفضل أن تختار الكلمة الفصيحة السهلة.
ودعواتي بالتوفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق