الأربعاء، 7 يناير 2009

عذابات النفس في ((إحراج)) لنادية كيلاني



عذابات النفس في ((إحراج)) لنادية كيلاني
في كتاب -هموم القصة القصير- "نقد" كتاب الاتحاد
دكتور: جمال عبد الناصر.. كتب عن المجموعة القصصية "إحراج" يقول:
تعد نادية كيلاني من كاتبات الظل، رغم جودة وتنوع، بل وكثرة إفرازها القصصي، "إحراج" (2001) -نادي القصة – الكتاب الفضي، مجموعتها الثانية بعد مجموعة "اتهام" (1997) -الهيئة العامة للكتاب- ولها مجموعة ثالثة تحت الطبع، هذا عدا قصص الأطفال التي تعشق كتابتها، ولها رواية وحيدة بعنوان "حب لم يعرفه البشر" عن سائق تاكسي يقود مجموعة من المسافرين كل له قصته، وهذا في إطار فني مقبول، إذ ترمز العربة بالحياة ويرمز المسافرون بالبشرية.
ونادية كيلاني كاتبة متمرسة، تقليدية أحيانا، ولكن من باب الالتزام، إذ إنها تجرب معظم الوقت، بالشكل الفني في عدد كبير من قصصها، وهي تبرم اتفاقا سلفا بينها وبين القاريء، يعطيها وقته فتعطيه المتعة أولا، ثم تشد انتباهه ثانيا، فتثير فضوله، وتقدم له الدهشة، بل المفاجأة أيضا، عبر نهايات قصصها الهادئة والهادفة والموحية في آن واحد، غير أن نادية كيلاني لا تخوض في المناطق الوعرة التي قد تثير الجدل، أو تبعث على المشكلات، مثل أمور الجنس أو السياسة أو الدين.
وأهم من هذا كله أن نادية كيلاني – حسبما أجدها على الأقل- في مجموعة إحراج" تميل إلى الكتابة النسائية، وإن كنت أظن أنها سوف تنكر ذلك، ولكن ثمة دلائل في هذه المجموعة، علاوة على طبيعة تكوين الكاتبة، وطبيعة عملها (في مجلة نسائية) تجعلها تفكر دوما في المرأة وفي رحلة معاناتها التي لا تنتهي أبدا، إذ تجعل القاصة هنا من عذابات نفس المرأة محورا مضمونيا أساسيا، يشد القصص بعضها إلى بعض.
تنطوي قصة: "دعوت الله" على صرخة أنثوية، تصدر عن امرأة كبلتها القيود التي فرضتها عليها أعراف الجماعة، فتحاول التمرد للفت النظر إلى ضرورة مناقشة مشكلات المرأة، وعدم التسليم مسبقا بوضعها، ومن ثم فهي ترتكب جرما، بقتل زوجها، ليشعر الناس بوجودها، قبل أن تشير بسخرية إلى المرأة معصوبة العينين رمز العدالة المطلقة، والتي لا تستطيع دفع الظلم عن نفسها: "كل ما تفوهت به في صلب القضية.. إحساسي بالعجز بسبب العصابة فوق عيني وأنا أمسك بناصية الميزان.. ميزان الحياة.. شعوري بالنقص أمام المرآة، أنوثتي قيد، وصوت أمي نادبة حظها فابنتها الوحيدة لن تتزوج لدمامتها.. منطقي قيد(ص20).
وتتمحور سيدة قصة: "اكتئاب موثق" ذات العنوان الساخر، من حول سيدة تعاني من عذابات الوحدة فتقرر أن تبرم اتفاقا مع الاكتئاب ولكنها -على العكس من ذلك- تضحك من أعماق قلبها من كم السخف والعجب الذي يملأ الحياة، ولعل الحيلة الفنية التي تقوم عليها فكرة القصة تعطي القاصة الفرصة للتعليق على حالة التدهور التي أتت على الأخضر واليابس، بما في ذلك انحسار القيم واختفاء المعايير، وتردي الأوضاع، وهذا ما يأتي القاريء عبر مانشتات إحدى صفحات الجرايد التي تنظر فيها الراوية.
وتختزل قصة: "نداء العمر" مأساة سيدة معذبة من لحظة زواجها وحتى شيخوختها، حيث ظلت تحلم دوما بيوم الخلاص حلم حياتها الذي لا يتحقق؛ لأنها تستمع كعادتها لصوت الآخر ولا تنصت لصوت عقلها، ولكنها عندما تقرر أن تفعل ذلك يكون الأوان قد فات: "لما بقيت عشرون شعرة سوداء.. تزوج الأولاد والبنات بقيت معه في غرفة واحدة.. تقول له بصوت مبحوح يخرج من بين ثرم الأسنان يحمل وهن السنين، وعذابها.
- لماذا لا تطلقني.؟
يدقق عينيه ويكور أذنه بيده.. ويقول لها:
- ماذا تقولين.؟ لم أسمع.. ارفعي صوتك أكثر" (ص44)
وتتناول قصة: "في كل زمان" عذابات الأنثى طفلة، ففتاة، فشابة، عبر ورطة "سعادة" وهي فتاة ريفية بريئة، تفقد عذريتها، بعد إغواء شاب مستهتر لها، اسمه "لئيم" استغل قلة خبرتها بالحياة وكونها ضحية مجتمع نسوي، يطالبها دوما بالاستسلام لتقاليده منذ الميلاد(حفل السبوع) فالطفولة(تخريم الأذن) فالمراهقة (الختان) فتكون النتيجة أن تسلم نفسها طواعية لأول شاب يطرق باب قلبها، ويعبث بخيالها: "دروس الطفولة لم تصمد أمام نظرات ابن الجيران الولهان، نفذت إلى أغوارها.. مستها الكلمات الساحرة.. أضاءت وجهها.. لمسة يده ألهبت جسدها..." (ص59).
وتجيء قصة "انطلاقة" بعذابات سيدة متزوجة أخرى، حيث تعزف القاصة على نفس الوتر قصة "نداء العمر" تقريبا، بمعنى أننا نقف على رحلة معاناتها وتعاستها، طفلة فابنة فزوجة، ولكنها لا تستطيع أن تحصل على حريتها، زوجها دائم الشجار معها، ولا تعرف خلاصا من أزمتها، مما يجعل خيالها الثري يعمل، لدى غياب الزوج مستبطئا رغباتها المدفونة في أعماقها، فتتصوره وقد قتلها لأنها ترى الموت خلاصا من قيود زواجها المحبط: "وأخيرا تخلصت ولكن على طريقته، لا يهم.. إنه الخلاص على كل حال.. أف لهذ العذاب الممتد" (ص102).
وتتحول قصة: "سيدة المقهى" إلى احباطات حياة أرملة، رحل عنها زوجها، مخلفا عددا من المشكلات الأسرية والأعباء الدنيوية التي كان عليها أن تجابهها، بإرادتها، لأنها آثرت إلا أن تربي أولادها، بدلا من الارتماء في معطف زوج آخر، ومن ثم كانت عذاباتها، تحاول صديقة السوء الوقيعة بها في براثن الغواية، ولكنها لا تستسلم، وإن أوشكت على الانزلاق، وتقرر مواصلة رحلة المعاناة بكل مشاقها وصعوباتها، ورغم تقليدية القصة، فهى تدخل في إطار المضمون الرئيسي للمجموعة.
ونأتي إلى قصة تقليدية أخرى تدور في فلك العذابات الأنثوية، وهي قصة: "اعتراف" أطول قصص المجموعة قاطبة، وهذه القصة تندرج تحت أدب الاعتراف، ولكنها محبوكة البناء جيدة الصنع ببدايتها الهادئة، ووسطها المتأزم ونهايتها المدهشة، هذا بالإضافة إلى المصداقية الشديدة التي تغلفها، وتشد القاريء.
وقصة اعتراف كما يتضح من عنوانها، تسرد مأساة أنثى تربت في أسرة متزمتة، تعاني في بيتها، فتتعلم بشق الأنفس ويعقد قرانها بطريقة تقليدية، ولكنها تقع في هوى شاب مسيحي تكتفي بحبه ولا تتزوجه بالطبع، ومن ثم تفاقم أزمتها، التي نتعاطف معها، لشعورنا بقهرها، وتمزقها بين خطيبها، وعشيقها، في مثلث الحب التقليدي، وإن حاولت حسم الأزمة باختلاق أزمة أشد قهرا منها: "والآن ثروت يلح لاتمام الزواج، وأنا أراوغ وأندمج في حياتي مع رمزي، نريد أن نتزود بزاد يعيننا على الحياة الكئيبة القادمة، على أيام الفراق.. لأنه يوجد شيء أقوى مني ومن رمزي ومن أيام عذابي بعده، شيء أقوى من كراهيتي لثروت وأنا أزف إليه.. هذا الشيء الذي يحول بيني وبين حبي وهنائي هو.. اختلاف الدين" (ص129).
وتعيدنا قصة: "أبو الولد" إلى عذابات الأرملة وهي تصارع الحياة للمحافظة على أسرتها، رغم فساد الأمكنة، وفساد الأزمنة، مما يجعلها تتخيل عودة زوجها من العالم الآخر كل ليلة للاطمئنان عليها فتدير معه حوارا راحت تناقش فيه مشكلات العصر، ومشقة العيش، في ظل المتغيرات المتتابعة، لا سيما على صعيد المثل والقيم، مما انعكس سلبيا على ابنهما الوحيد، وهنا يدفع الزوج إلى الصراخ فيها: "كفي عن الشكوى يامرأة.. لو كان الأمر بيدي لقدمت طلب استعجال لاستدعاء الولد إلى هنا.."
وتصادفنا عذابات أم أخرى، ولكن لبنت هذه المرة في قصة: "لحظة تسليم" حيث يموت زوجها، ويترك لها ابنا وبنتا، ففرحت بهذه الأخيرة لدي بروز أنوثتها، ولكن سريعا ما تسقط صريعة المرض، ولتلقى حتفها إثر إصابتها بحمى شديدة، فانفجرت الأم في نوبة من الصراخ الهستيري، حتى: "أدركت أنه لا رجعة.. جلست فوق الأرض.. مسحت دموعها وقالت بانكسار: هاتولي الحلق من ودنها" (ص50)
إن كانت عذابات النفس تنسحب على المرأة حتى الآن في مجموعة "إحراج" فليس الرجل أسعد حظا منها، فهو منكسر أيضا ومقهور، أعزب كان أو متزوجا، ففي أولى قصص المجموعة، مثلا، وهي قصة: "من الشوك العنب" نلتقي بإنسان معدم، رجل محبط، ينتمي إلى الطبقة البرجوازية، يحلم كغيره من البسطاء بمن يحل له مشكلته، أو يعينه على تجاوز حياته: "ألا يوجد مؤتمر يحل مشكلتي، يلملم شعث حظي العسر من فوق الشوك..؟" (ص9)
ونلتقي في قصة: " هذا الفراغ الجميل" بمقهور آخر، ولكنه متزوج من امرأة سليطة اللسان، دفعته إلى قتلها، أو هكذا تخيل، ولكن المحكمة حكمت ببراءته؛ لأن رأسه فارغ، هذه القصة رغم عبثيتها الواضحة من البداية، وبخاصة فيما يتعلق بنصيحة الطبيب بافراغ الرأس مما فيها، تعكس عددا من هموم الإنسان وتبعث باسقاطاتها على الحاضر على الشعور باليأس، فالرجل يقرر أن يستفرغ رأسه من كل ما فيها، عملا بنصيحة الطبيب، ولكن يكتشف سخافته وسخافة العالم من حوله، وكم العبث الذي يملأ حياته وحيوات الآخرين، فيتسلل ليلا، بعد أن تخلد زوجته إلى النوم، ويخرج ليستنشق رائحة البكور، ويمضي يومه في الفراغ بعيدا عن الضوضاء، إلا أن زوجته تظن به الظنون، فلا يتردد في اسكاتها للأبد: "كان كلامها حادا، يدخل إلى الرأسي فيدوي في أرجائه بقوة فيحدث صدى عنيفا يهز كياني كله، ويشعرني بصداع شديد.. شديد جدا" (ص33).
ويتبنى الزوج المخلوع في قصة: "عباءة الملك" موقف هذا الزوج المقهور، رغم شعوره هو نفسه بلون من ألوان القهر، بلغ حد "ترتيب الغرف، و.. غسل المواعين.. وحمل الرضيع، وتعقيم الببرونة والذهاب إلى السوق" (ص82)، وهو "الملك" ابن العمدة الذي تربى في بيئة ينحني له فيها أهلها، قبل ارتباطه ببنت المدينة التي أتت على كرامته، وعندما اعترض، استخدمت حقها الشرعي وخلعته.
إن عذابات النفس تبلغ مداها في قصة: "آخر زمن" ذات العنوان الذي يقطر سخرية ممزوجة بمرارة، حيث تدفع الزوج التعس إلى حالة من التدني الخلقي، تجعله على استعداد لقبول وضع مهين للرجل الشرقي، فها هو الزوج الذي وصل به اليأس في عدم انجاب الولد بعد اربع بنات، يحاول أن يجد وسيلة تعطيه وزوجته ولدا، حتى لو كانت تتمثل في رجل آخر، بل صديق، فهو لا يكترث مادامت أن زوجته سوف تنجب له الولد، ويصل به الأمر إلى ترتيب اللقاء بين الصديق وزوجته، في بيته وفي غرفة نومه، ولكن الصديق الذي يصدمه تدني الخلق ذلك، يلوذ بالفرار من ذلك الفخ اللا إنساني.
إن نادية كيلاني قلما وظفت السخرية اللاذعة إطارا تعبيريا عن عذابات الذكر، ويتضح من خلال قصتين على الأقل، هما: "ابنة رجل مهم"و "المحمول"
تصور القصة الأولى حيرة وحسرة مهنس شاب ـ تقدم لخطبة ابنة رجل ثري، فطلب منه والد العروس مليون جنيه مهرا لابنته جواهر، تعقد المفاجأة لسان المهندس الشاب، بل وتذهب بعقله عندما يكتشف أن من أراده حما له جمع ثروته من الشحاذة، بعد التنكرـ واختار له تلك المهنة المزرية كي يجمع المبلغ المطلوب خلال عام واحد، وكمن وقع تحت تأثير السحر وجد الشاب نفسه يطلب أجازة من عمله، ويتوجه إلى بيت حميه، وعن تجربة معه يحدثنا قائلا: "عاد الرجل وعدل من هيئتي.. أقصد بهدل هيئتي أكثر.. ألبسني جهازا في ساقي فوجدتني أعرج.. وضع عصابة فوق عيني فاضطربت الأشياء أمامي وبهت لونها، نثر بعض النتف السوداء على ذقني فالتصقت بها.. شدني بعدها من ذراعي فتبعته كالمنوم، خرجنا من باب غير الذي دخلت منه إلى شارع آخر.. وما هي إلا خطوات والرجل يستند على ذراعي وأنا الأعرج والأعمش أجره بوهن" (ص90)
أما قصة: "المحمول" فتصور حيرة الموظف المسكين، الذي يدرك أن عليه أن يشتري ذلك الاختراع الجديد، وإلا شذ عن أقرانه وعن زملائه في العمل، بل وعن الناس في الشارع، فاشتراه رغما عنه بعد أن استسلم لرغبة الجماعه، وليس عن قناعة من جانبه بضرورته، فيتعرض لموقف حرج بنهاية القصة، عندما يرد على رنينه بحركة آلية وهو يتبول في مرحاض عام، فيسقط منه وقد جاء صوت زوجته سائلا: "حسين أين أنت.. ماذا تفعل عندك" (ص76).
لعل كل هذه القصص التي تمثل أكثر من ثلثي قصص المجموعة "إحراج"  فهي أربعة عشر من أصل اثنين وعشرين قصة، تبرهن على أن هم القاصة الأساسي عذابات النفس البشرية، هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الشكل، فنادية كيلاني لا تقف عند شكل بعينه كما سبق الذكر في بداية هذا الفصل، إذ أنها تجرب بأشكال قصصها طوال الوقت فإلى جانب القصة التقليدية، هناك القصة محكمة الصنع، وهناك القصة الفانتازية، وتلك العبثية، وهناك القصة الاعترافية الكشفية، وهناك القصة الساخرة ذات الحس الفكه، وهناك أخيرا القصة الدائرية وتلك الحوارية، وكلها أشكال فنية اختارتها القاصة بعناية، أو ربما فرضتها عليها طبيعة الموضوع المعالج.
غير أن الأمر اللافت للنظر أن نادية كيلاني بعد أن تمرست في استكشاف جماليات تلك الأشكال، صارت لديها القدرة على تحديد نقطة الولوج في عالم القصة، عبر اللقطة، ونقطة الخروج منها، عبر المفاجأة المقصودة، والمحسوبة، والمسبوكة والتي تأتي القاريء بالدهشة، رغم اختزالها، وتكثيفها، وهدوئها، فترسم دوما نهاية استفهامية، استنكارية تهكمية، تقابل حالات التخبط التي تنطوي عليها حيوات شخوصها، رجالا كانوا أم نساء. 



الخميس، 1 يناير 2009

إحراج: في كتاب -القصة .. امرأة- "كتابات نقدية" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.



إحراج: في كتاب -القصة .. امرأة-  "كتابات نقدية" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
الأستاذ محمد محمود عبد الرازق كتب عن المجموعة القصصية "إحراج" يقول:
قال:
أهم القضايا التي تطرحها مجموعة "إحراج" لنادية كيلاني (نادي القصة 2001) أننا لم نعد نملك من أمرنا شيئا، فالإعلام هو الذي يسيرنا بعد أن أصبحت له السطوة والجبروت..
في قصة: "أبو الولد" يطارد شخص القصة الراوية كل ليلة
-وبرغم وفاته- ليطمئن على ولده الوحيد، ونخلص من القصة إلى أن الأم لم تعد قادرة على تربية ولدها، فالمربي الحقيقي للنشء
-هذه الأيام- هو وسائل الاعلام.. فالولد يميل إلى المصارعة الحرة، وأفلام العنف، وأساطير هركليز، ولقد حولت التجارب العلمية الغذاء إلى دواء، "والطيور محقونة بهرمون يعطل الرجولة.. والخضراوات والفاكهة المصنوعة في أحضان الصوبة تعطل الأنوثة، والأبقار مجنونة والأسعار أجارك الله"..
وينتهي الحوار بين الأم والأب المتوفي بأن يتمنى الأب أن يكون الأمر بيده ليقدم طلبا لنقل ولده من الدار الدنيا إلى الدار الأخرة.
وفي قصة: "هذا الفراغ الجميل" يفرغ شخص القصة رأسه ليجد أنه محشو بما لم يكن لإرادته دخل في دسه بين تلافيفه، وعندما أراد أن يصنف ما أخرجه ويرتبه حزما، تسارع إلى الحزمة الأولى كلام كثير عن أهل الفن، "اكتشف أن عقله يدخر معلومات كثيرة عن الفنانين والفنانات، فلديه تتبع دقيق لحالات الزواج والطلاق الانزلاق.. حصر تام لما في دولاب الملابس، حافظة الأندية وخزانة المجوهرات، هذا الحصر بالكم والكيف والسعر تدوينا كاملا لعادات الفنان بداية من الأكلة المفضلة، واللعبة المحببة، وصولا إلى اللون المنتقى لطلاء الشفاة مع الغوص في أسرار عمليات التجميل واعتراضات الرقابة.. مرورا بالوقوف على دخان الشائعات الذي بنار والذي بغير نار.. ثم عدد قضايا الآداب.. إلى آخره" وذلك برغم أنه لم يشتر مجلة فنية في حياته، وعدم وجود أي صلة بينه وبين أهل الفن، وتسارعت إلى الحزمة الثانية كلمات مثل "الكرة أجوال.. احراز الهدف.. القدم الذهبية.. سعر اللاعب.. خناقات الملاعب.. حفلات الاعتزال.." رغم أنه لا يشجع أي ناد.. وليس من هواة الكورة.
ولعلنا لاحظنا أن عباراتها سهلة يسيرة، بريئة من الصنعة والتكلف، مع ترصيعها –أحيانا- بالصور المعبرة مثل قولها في القصة السابقة: "استعان بالله وتسلل مع الفجر على أطراف أصابعه تجاه باب الشقة وانطلق يستقبل خد الشمس القرمزي وهي مقبلة على الكون في حياء البكارة" وحين تقول: إنها هربت من صخب أصوات السيارات إلى النيل، لتنعم بصفحته المتلألئة تساءلت: "هل هذا تبر سائل بين شاطئين، أم أهلة ذائبة في أهلة؟"
نلاحظ أنها تنثر الأغنية المشهورة "يا تبر سايل بين شطين".. ربما تأثرا بالجو الاعلامي الذي يدينه شخص القصة.. وقد يفيدنا هذا في الإقرار بأنها لا تبعد عن جو العمل.
وأحسب أن اشتغالها بالصحافة أفادها في اتقان "اللغة الثالثة" كما اسماها توفيق الحكيم، وتأثرها بالصحافة لا يقف عند اللغة، إذ نرى مهنتها تتداخل في صورها ورؤاها، فعندما استعد شخص القصة السابقة لإخراج ما في رأسه: "شهق وضرب على صدره وهو يرى الكلمات والحروف تتسارع في الخروج من رأسه، وتملأ عليه فراغ الحجرة، شاهدها وهي تزيد وتتمدد.. تصعد وتهبط وتتلوى، يرقد بعضها بجواره فوق السرير، وبعضها فوق كتفيه وبين رجليه.." وتذكرنا هذه الصور –وفق زعمي- بإدراج الحروف في المطابع القديمة، والصور الكاريكاتورية التي تستعين بالحروف المتناثرة على أي وجه كانت.
وحين استمر شخص القصة في ترتيب ما بداخل رأسه اصطدم بجمل تحمله على الدهشة.. بل الاستنكار: "سياسة التجويع" إلغاء الدعم.. أطفال الحجارة.. تهويد القدس، بناء مستوطنات.. ضرب جنوب لبنان.. غرب سوريا والأردن.. شمال مصر.. عنجهية إسرائيل.. مذابح البوسنة والهرسك.. تصدير إرهاب.. مرواغة أمريكاني.. جدل عربي: "وما يسمع عنه من حاصلات وصادرات.. ترعة السلام.. قناة توشكى.. مترو الأنفاق.. كل معلوماته هشة وغير واضحة الملامح.."
وهذه العبارات ذات النبرة الدعائية العالية تصلح لمقالات الصحافة القومية، وليس للقصة القصيرة وخاصة هذه القصة ذات الهدف الواعي المحدد.
وتبني قصة ":اكتئاب موثق" على قراءة الجرايد، ويدور الحوار مع النفس، فالراوية تقرر أن تكتئب لأن الحياة "متعبة مملة والمعاناة لا تحتمل" والنفس تضحك وتطالب بمستندات الاكتئاب، فتقرأ الراوية مانشيت الصفحة الأولى: "صندوق النقد الدولي ينتقد أسلوبنا في الزراعة، والصناعة، والتجارة و.. التنفس.." ولا تقتنع النفس، فتحيلها صاحبتها إلى صفحة الحوادث التي تعد خصيصا
-في نظرها- لجلب الاكتئاب".. وتسرد الراوية بعض الحوادث التي تعبر عن الواقع المعيش مثل: "ضبط مدرس يقوم بترويج الهيروين" وتقتنع النفس، ثم تقرأ خبرا يضحكها: "ثلاثمائة حريق بمخازن القطاع العام والحكومة احتفالا بموسم الجرد السنوي" ولكن ضحكها هذه المرة كان كالبكاء.. بل هو البكاء.. ومن ثم فضحكها منذ البداية لم يكن من البهجة، وإنما من الكآبة. القصة وثيقة إدانة، وليست وثيقة اكتئاب.
وتدور قصة "إحراج" في إحدى المؤسسات الصحفية، غير أنها تتخطاها لتدين السلم الإداري على مستوى الدولة، ثم على مستوى العالم كله في ظل النظام العالمي الجديد، فرئيس السعاة يخصم يومين من راتب عامل الأسانسير لتأخره عن العمل، ومدير مكتب الأمن يلفت نظر رئيس السعاة لما يصله عنه من أخبار، ورئيس مجلس الإدارة يهدد مدير الأمن، ويوبخ رئيس التحرير للوضع المزري الذي انحدرت إليه المجلة، وفي الطائرة يطلب رئيس الدولة من رئيس مجلس الإدارة ألا يرشح نفسه لمنصب النقيب هذه المرة لأنه أصبح "كارتا محروقا" ورئيس الدولة العظمى يقول لرئيس الدولة: "لا سلام في المنطقة إلا بشروطنا" وفي النهاية يجلس عامل الأسانسير أمام التليفزيون  ليشاهد رئيس الدولة العظمى على الشاشة منكس الرأس "وهو يستمع إلى اعترافات البنت الشقية ذات الفستان الأزرق".
وتدور في هذه الحلقة المفرغة مرة أخرى بقصة: "نداااء العمر"  فالزوجة تظل تطلب الطلاق منذ أن ضمتها وزوجها غرفة واحدة وعرفت ألا اتفاق، حتى نهاية العمر، وقد أصاب زوجها الصمم فلم يسمع طلبها، وكانت تؤجل الطلب بناء على نصائح الأقربين في كل مرحلة: التعود، الجنين، الولد، الأولاد، البنات، زواجهم.. وفي النهاية: "ماذا تقولين.. لم أسمع.. ارفعي صوتك أكثر.."
وتواصل الكاتبة إدانتها للزمن الرديء بقصة "آخر زمن"
فالزوج يراود صديقه الأعزب لمعاشرة زوجته لينجب له الولد على أربع بنات جميلات"
وقضايا المرأة تتعانق في هذه المجموعة مع قضايا الزمن الرديء التي تسيطر عليه وسائل الاعلام ومكسبات اللون والطعم والرائحة و"المحمول، والدش" وهما قصتان من قصص المجموعة.
تحدثنا قصة: "في كل زمان" بصراحة ووضوح عن شقاء الأنثى منذ الميلاد، ونراها تستعين بالرمز اللغوي اتساقا مع العنوان الذي يفيد التعميم، فالبنت "سعادة" والولد "لئيم"
كان لها من الأيام سبعة عندما وضعوها في الغربال "وسط الزغاريد والتهاني دسوا في أذنها سن الإبرة المتوهج"
ولما كبرت فرحت بالحلق، وحين بلغت العاشرة كانوا يحذرونها من الأولاد، وهاهو جسدها يتمخض بين أيدي نسوة ضخام الأجساد  "أكثرهن جثة.. أكثرهن قسوة.. تمسك بآلة حادة تقطع جزءا حساسا من جسدها.. كانت تصرخ وتصرخ.. لكنها فارت .. وادورت.." ابنة السابعة عشرة لم يمنعها الخجل من سماع كلمات الإطراء، وعندما بلغت "سعادة" هذه السن افترسها "لئيم" في حقل القصب: "وبينما أفزعت الأم سكون الليل بصراخها على البنت الحلوة ذات السبعة عشر ربيعا.. كان "لئيم" يفزع عيدان القصب من جديد".
وربما عبرت الكاتبة في كلمات معدودات عن هذه المأساة المتكررة في قصتها القصيرة جدا: "الساحر" ونصها:
"رأت ملامحه من بعيد، تذكرته على وجوه الأخت، والصديقة، وبنت الجيران، تذكرته في دموع عبلة، وليلى، وعزة، وجولييت، تسلحت ضده.. وولت الفرار، لكنه لحق بي.. والغريب.. أكثر من مرة"
وهى كما نرى قصة مكثفة للغاية، تحمل الادانة للرجل في كل كلمة من كلماتها.
وتعالج في قصة: "اعتراف" الاختلاف الديني الذي يفرق بين الحبيبين، وفي قصة: "سيدة المقهى" غواية المرأة للمرأة مستغلة حاجتها، ثم تعود من جديد إلى رباط الزوجية المعذب للمرأة والزوجة في قصة: "عباءة الملك" ترفض أن تنمحي شخصيتها، وفي قصة: "انطلاقة" تتمنى أن يقتلها زوجها، بعد أن اتهمته بعدم الرجولة على أمل أن يطلقها فلم تفلح، وحين تتخيل أنها ماتت بيد زوجها تقول: "يا...ا...هـ... أخيرا تخلصت ولكن على طريقته، لا يهم.. إنه الخلاص على كل حال.. أوف لهذا العذاب الممتد، تبا لهذه الاجراءات التي تتم أمامي، إنني منزعجة مما يحدث.. ما هذا البطء حتى أشيع من هذا المكان، إنني الآن حرة فلماذا أقيد نفسي بالبقاء في هذا الجو الخانق، أستطيع أن أغادر دون احتياج لإذن بالخروج.. أما الجسد فليوسدوه أي مكان شاءوا.. كفى صراخا يا أحبائي.. كفى نواحا إنني سعيدة بالنتيجة لا تتهموا أحدا، فلا أشعر برغبة في الانتقام، لا أحمل غلا لأحد، قد منحت الحرية لمن أعطاني إياها، إنني الآن حرة.. وها هي الأرواح المنطلقة مثلي تدق الباب، جاءت لتأخذني إلى الفضاء الرحب، أفسحوا لروحي كي تغادر.. الأرواح تنادي، أسمع دقهن المتواصل على الباب، ونداءهن بسرعة الخروج من هنا، إلى تنفس نسيم الحرية والانطلاق، إنني ذاهبة إليهن.. طائرة معهن، دقهن يزداد.. يزداد.. إني قادمة.. سأفتح حالا.. سأفتح.."
 لكن الدقات كانت دقات زوجها لتفتح له.
وتتنوع معاناة المرأة في هذه المجموعة التي سبقتها على نفس الدرب مجموعة اتهام" (الهيئة العامة للكتاب 1997) في قصة: "لحظة تسليم" تصور نادية كيلاني معاناة الأم في أثناء مرض ابنتها وفقدها، والعاشرة من العمر هي سن تفتح البرعم عند كاتبتنا وهي السن الذي تم فيها الختان بقصة: "في كل زمان" وها نحن نراها تقفز في الطريق قبل الختان "تنط الحبل" تلعب الحجلة، تذهب إلى الحانوت.. لكنها لا تنسى في ذهابها وإيابها أن تنهر كل الصبية.. تقصيهم من طريقها ومن ذهنها كما حذرتها أمها وتوعدها أبوها"
وهي سن ذبول البراعم وموتها في قصة: "لحظة تسليم" والأم لا يسعفها صبر، ولا يعالجها هدوء، ولا تجف لها دموع، ولا يكف لسانها عن الندب على البنت الحلوة طريحة الفراش ذات السنوات العشر التي لا تعرف لرقدتها سببا، جاءت من المدرسة ساخنة "مفرفرة"  "والله ما تأخرت لحظة.. جريت بها على المستشفى العام لعلاج الغلابة والمنكسرين.. ونحن غلابة ومنكسرون، وليس لي غير البنت والولد.. الولد مازال يرضع، نسيته عند الجيران.. أي والله نسيته.. وجريت بالبنت.. الأب مات، وشقيانه لكي أربي العيال، والبنت هادية ونادية ومطيعة، وتحب المدرسة.. قلت ماذا فيها!!.. تأخذ شهادة تنفعها.. هي يدي ورجلي..."
جميع من بالمستشفى يشعرون بمأساتها. المرضى يدعون لها بالصبر، والممرضة والطبيب يلبيان طلباتها، وها هو الطبيب يترك المريض الذي عليه الدور، ويتخطى ثلاثة آخرين، ويتوجه إليها: "حاضر يا سيدتي، أكشف عليها ثاني وثالث.. المهم تهدئين نفسك، وتتقدم إليها إحدى الزائرات: "بدلا من البكاء والنواح سرحي للبنت شعرها وغيري ملابسها، وامسحي وجهها بالماء، ربما تفيق، وأنت أيضا تفيقين من البكاء الذي لا يقدم ولا يؤخر.."
وتقدم الكاتبة صورة أنثوية بالغة الدقة لا يقدر على رسمها سوى امرأة، فها هي الأم تمشط شعر ابنتها و"المشط يرفض بشدة الخوض في شعر البنت إلى آخره، تعثر عدة مرات حتى خطا أول خطوة، ومعها فقد أول سنة من أسنانه، نصحتها إحداهن أن تقص للبنت شعرها فيسهل تسريحه.. شهقت.."
"ومضت في عملها في هدوء وصبر، تأخذ خصلة خصلة وتمشطها على حدة بأناة وتمصمص شفتيها.. "أقصه شعر البنت!!.. فتل الحرير هذه!! والذي كانت تنطره وراء ظهرها.. أمواج، أمواج وتلمه ذيل حصان، وتبيِّن الحلق الذهب، وساعات تعمله ضفيرة أم ضفيرتين" وحين انتهت من الشعر تابعتها العيون وهي تذهب وتجيء بالماء، تمسح وجه البنت وتجففه وتنشفه حتى صار نظيفا لامعا.ثم انشغلت بقص أظافرها، وهي تتغزل وتصف جمال يديها واستدارة أصابعها، وغيرت لها ملابسها بمساعدة الممرضة، وطلبت منها تغيير "فرش السرير" لكن البنت ثقلت على الأيدي و"سبقتهما واندلقت على السرير"
وننتقل إلى النهاية والأم تتشبث بالسرير وتصرخ وتجري وراء التروللي الذي حمل ابنتها وهي تضرب رأسها في الحائط، وحين أدركت أنه لا رجعة، جلست على الأرض، وقالت وهي تمسح دموعها بانكسار: "هاتولي الحلق من ودنها.."
أزعم أن هذه القصة من أهم القصص، وخاتمتها من أكثر الخواتم توفيقا، وهي لم تطلب الحلق لأنها دفعت فيه لحم قلبها كما ذكرت في السياق، وإنما لأنه من الذكريات الغالية التي لن تنساها، ومن الأشياء الهامة التي ستبقى لها من رائحة ابنتها، عندما طلبته منها مثل البنات "نسيت أنها كبرت قدام عنية وبقت عروسه، خلعت من أذنها الحلق الفالصو وحلفت ما تلبس غير الذهب، بعت الحلة النحاس، ومن يومها وهى كما ترون احلوت في عيني أكثر، وكأن الحلق كبرها أكثر وأكثر، ورد خديها، وسبل عينيها، وجعلها تعرف تتعاجب به..."

الساحر والساخر في أعمال نادية كيلاني

الساحر والساخر في أعمال نادية كيلاني
الدكتور مجدي توفيق 
تقديم: خليل الجيزاوي
أمسية ثقافية أقامتها اللجنة الثقافية في نادي القصة لمجلس الادارة الجديد برئاسة الناقد عبد الرحمن شلش الذي قدم الكاتبة بقوله:
الكاتبة لها كتابات متنوعة فهى لها ثلاثة كتب للأطفال وكتاب في علم الفلك ورواية بعنوان "حب لم يعرفه البشر" ولها اسهامات بارزة في القصة القصيرة.
 بدأت الناقدة فوزية مهران قراءتها للمجموعة القصصية التي صدرت عن سلسلة قصص عربية من الهيئة العامة للكتاب قائلة:
الكاتبة ترصد الأحداث اليومية وتسردها لنا في بساطة شديدة وهي تجمع في قصصها بين المتناقضات الحياتية التي تثيرها أو تجردها من انسانياتها، وتلتقط اللحظات الصغيرة، فالذي كان يريد أن يتاجر في كلى الناس، الأمر الذي نجده في النهاية يعاني من وخز في ذات المكان.
قصة ثانية "زوجتي يا سادة" تعبر عن السخرية لمثل هذه التصرفات التي تزيد من قبح الأشياء التي ترويها على لسان رجل ولكن برؤية واحساس امرأة، قصة ثالثة "واكتحلت عين الشمس" قصة تمتليء بهذه الرؤية الحميمية للمفردات السردية الحياتية التي تنتقد هذا الجهاز السحري الذي يذهب لمركز الأبحاث فيقولون له إن كل شيء على ما يرام! وهذه اللوحة تمتليء بالحركة المريرة التي تلونها! وهي تكتب بحرفية شديدة، والكاتبة تمتلك رسم الحركة جيدا بالكلمات المدببة في رسم بورتريهات جميلة ولكن التعليق على القصة قد يفقد جمالها الأثير.
 ثم تحدث الناقد الدكتور مجدي توفيق عن رؤيته النقدية قائلا:
نقد القصة يعرف بمصطلح قديم نسيناه هو "انقلاب الموقف" ففي قصة مزاد نجد شخصا يتأمل زوجته ويفكر بالمتاجرة لبيع الكلى ثم ينتهي إلى المعاناة بنفس المرض "الفشل الكلوي"
هذه البنية الجوهرية تعد مفتاح المجموعة القرائية، فكل قصص المجموعة تبدو مسيطرة على الحبكة القصصية، تعرف متى تبدأ الجملة الاستهلالية، وتعرف متى تنهي قصتها، لكن انقلاب الموقف وتداعيه يعطي المفارقة الجميلة ومصدر الفكاهة والطرافة التي تمتليء بها القصص، وهذا يعود إلى أسلوب الكاتبة التي تتميز بسخريتها اللاذعة!
والكاتبة لا تلجأ إلى الطرفة اللفظية ولكن المواقف الفكاهية ناتجة من انقلاب المواقف في معظم القصص، فقصة "الهانم والبائعة الصغيرة" الفكاهة المريرة، وانقلاب الموقف تجعل من الهانم أكثر احتياجا للمساعدة من البائعة الصغيرة البائسة، وقصة "اتهام" حافلة بالمفارقات الساخرة التي تمتليء بالموتيفات الكثيرة التي تحمل لب الكتابة الأنثوية رغم أنها تجعل الراوي بضمير المذكر، إن هذه القصة تصور موقف صديقين يخفيان شيئا ما، وهو الأمر الذي يجعل الحبكة شيقة، وركاب الحافلة يصممون على الذهاب لقسم الشرطة ثم نجد أحد الرجلين يخرج ثعبانا مطاطيا من جيبه، هذه المفارقة التي يأمر ضابط الشرطة بحجز الرجلين ثم تتقدم الفتاة سبب المشكلة قائلة: من أين اشتريته.
وقصة "حفل الرحيل" توحي بالمفارقة أيضا التي توحي بمقاومة الرحيل حبا في الحياة!
هذه الكتابة التي تعتمد المفارقة في السرد، تمثل الحكي الجميل، وتصنع لنفسها لغة بسيطة، لم تحفل بتفاصيل المكان الدقيقة وتحول الوصف عندها إلى كلمات بسيطة متناثرة وعابرة وكافيه لتخيل الموقف وتقدم من الوصف كلمات بسيطة سردية لحكي الأحداث، الأمر الذي جعل الجمل الفعلية، لغة أحداث حركة عندما تبنت الأفعال المضارعة التي توحي بالتجدد والاستمرار
والكاتبة منحازة إلى حب الحياة وتدعونا بقوة إلى حبها أيضا.
وتساءل القاص حسن الجوخ قائلا: كنت أود من الناقدة فوزية مهران أن تشير إلى العالم الرمزي الذي تتبناه المجموعة ثم كيف نفك مغاليق هذه الرموز؟
السؤال الثاني للناقد الدكتور مجدي توفيق أين مستويات الرمز في هذه المجموعة.؟
فأجاب الدكتور مجدي توفيق:
اقرأ إن شئت قصة "زوجتي يا سادة" إن هذه الزوجات الثلاث يمكن أن تقرأها على أنها رمز للحكومات الثلاث التي تعاقبت على حكم مصر بعد الثورة.
وأخيرا تحدث الناقد مصطفى عبد الوهاب قائلا:
الكاتبة مرتبطة بالطابع الانساني الذي ينعكس على روح المجموعة الساحر والساخر للحياة اليومية التي تعتمد على المفارقة الناتجة من السياق الفني!
والكاتبة بارعة في استخدام الصورة الرمزية لكن المقارنة أحيانا تظلم القصة عندما تقارن بين فأس الفلاح وبندقية الجندي!
وقصة "الهانم والبائعة الصغيرة" نشعر بالمرارة والسخرية مع كون هذه البائعة المتسولة أو المتسولة البائعة، إنني أرى أن هناك رؤية مبالغة أحيانا، أيضا هناك خلط بين الواقع والعلم وخلط بين الخيال العلمي والفنتازيا، هناك قصة "الدرس الأخير" نرى كيف يمكن للألة أن تتحكم في الانسان!
والقالب الساخر في معظم القصص تصبح هذه السخرية كطرفة في ليلة عزاء!
والكاتبة تملك لغة الحوار حيث ترسم به صورة جميلة بالكلمات لتجعله أكثر تعبيرا في لغة القصة.
الأهرام المسائي: 12/7/1998م